الأخ محمد القلاف المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: تواترت أشعار أبي طالب (عليه السلام) في إثبات إسلامه وإيمانه وعظمته وروى أصحاب الصحاح والسير الكثير منها نذكر بعضها:
1- روى البخاري في صحيحه(2/16) وغيره شعراً لأبي طالب (عليه السلام) وقد قاله في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتمثل به ابن عمر في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل. ثم رواه البخاري بسند آخر الى ابن عمر قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي (صلى الله عليه وآله) يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل.
وهو قول أبي طالب أ.هـ
2- وقد روى الحاكم في مستدركه على الصحيحين(2/680) عن ابن إسحاق ورواه ابن إسحاق في سيرته(204/4) قال: قال أبو طالب أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم، وهي:
ليعلم خيار الناس أن محمدا ***** وزير لموسى والمسيح ابن مريم
أتانا بهدي مثل ما أتيا به ***** فكل بأمر الله يهدي ويعصم.
3- وقال أبو طالب (عليه السلام) لجعفر (عليه السلام) حين رأى النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه علي (عليه السلام) فقط يصلي على يمينه جماعة ولا يوجد احد على يسار رسول الله (صلى الله عليه وآله): صل جناح ابن عمك وانشأ يقول (عليه السلام):
إن عليا وجعفرا ثقتي ***** عند ملم الزمان والكرب
والله لا أخذل النبي ولا ***** يخذله من يكون من حسبي
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما ***** أخي لأمي من بينهم وأبي
راجع لتخريجه مثل أسد الغابة لابن الأثير(1/287) وتفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي(8/489) والالوسي في تفسيره روح المعاني(30/183) والحلبي في سيرته الحلبية(1/433) وابن حجر في الإصابة(7/198) وقال:عن علي أنه لما أسلم قال له أبو طالب:(ألزم ابن عمك) ومن طريق أبي عبيدة... عن عمران بن حصين أن أبا طالب قال لجعفر لما أسلم: صل ابن عمك فصلى جعفر مع النبي (صلى الله عليه وآله).
4- قال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار(1/135): روي أنهم اجتمعوا الى أبي طالب وأرادوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) سوء فقال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ***** حتى أوسد في التراب دفيناً
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ***** وأبشر بذاك وقر منه عيوناً
ودعوتني وزعمت أنك ناصح ***** ولقد صدقت وكنت ثم أميناً
وعرضت دينا لا محالة أنه ***** من خير أديان البرية ديناً
لولا الملامة أو حذاري مسبة ***** لوجدتني سمحا بذاك مبيناً
قال الزيلعي: قلت رواه البيهقي في دلائل النبوة عن أبي عبد الله الحاكم بسنده...
ولم يضعفه او يرده بشيء العلامة الزيلعي كعادته في كتابه في التخريج والحكم على الأحاديث.
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة(7/198) في معرض رده على الشيعة في استدلالهم بمثل هذه الآبيات الشعرية لأبي طالب (عليه السلام) على إسلامه ثم قال بعد ذكره لشعره (عليه السلام): قال ابن عساكر في صدر ترجمته: قيل أنه أسلم ولا يصح إسلامه ولقد وقفت على تصنيف لبعض الشيعة أثبت منه إسلام أبي طالب منها ما أخرجه من طريق يونس بن بكير عن عمر بن إسحاق....
واستدلالهم بالبيت الخامس على عدم إسلام وإيمان أبي طالب كما واضح من الآبيات الأربعة الأولى استدلال فيه تكلف وإجحاف واضح بل رد عليه الكثير من علماء العامة المنصفين أنفسهم مثل الحافظ السيوطي والعلامة البرزنجي وغيره كأبي الفداء وكذا أحمد بن زيني دحلان بقولهم: أنه موضوع ادخلوه في شعر أبي طالب وليس من كلامه ثم قال البرزنجي معقباً: ولو قيل أنه من كلامه فيقال أتى به (عليه السلام) للتعمية على قريش وليوهم أنه معهم وعلى ملتهم ولم يتابع محمداً (صلى الله عليه وآله) ليقبلوا حمايته ويتمثلوا أوامره.أ هـ
5- قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(6/404): وقد اخرج المصنف(يقصد البخاري) في التاريخ الصغير من طريق علي بن زيد قال: كان أبو طالب يقول:
وشق له من اسمه ليجله ***** فذو العرش محمود وهذا محمد
وقد أخرجه أيضاً ابن عبد البر الأندلسي في الاستذكار (8/622) والتمهيد(9/154) بإسناده الى علي بن زيد قال: أحسن بيت قيل فيما قالوا قول عبد المطلب وقول أبي طالب وذكر البيت.
6- روى ابن كثير تلميذ ابن تيمية في البداية والنهاية(3/108) قول أبي طالب (عليه السلام):
ألم يعلموا إنا وجدنا محمداً ***** نبياً كموسى خط في أول الكتب
فهل بعد هذه المعاني والإقرارات في هذه الأشعار العظيمة كلام في إثبات الإيمان والمعرفة بالله ورسوله والاعتقاد بهم!!؟ لعن الله الحقد والنصب والعناد!!!.
ثانياً: هناك العديد من علماء أهل السنة المنصفين الذين أثبتوا إيمان أبي طالب (عليه السلام). نذكر منهم:
1- السيوطي وقد ألف كتاب(بغية الطالب لإيمان أبي طالب وحسن عاقبته).
2- أحمد بن زيني دحلان وألف كتاب (أسنى المطالب في نجاة أبي طال).
3- محمد بن رسول البرزنجي في كتاب في نجاة أبوي النبي (صلى الله عليه وآله) وخاتمة الكتاب في نجاة أبي طالب.
4- الشعراني.
5- السبكي.
6- القرطبي.
7- القرافي المالكي في شرح تنقيح الأصول 684 هـ حيث قال: أن أبا طالب ممن آمن بظاهره وباطنه (وكفر)بعدم الإذعان للفروع، لأنه كان يقول: إني لأعلم ما يقوله ابن أخي لحق ولولا أنى أخاف أن يعيرني نساء قريش لأتبعته فهذا تصريح باللسان واعتقاد بالجنان غير أنه لم يذعن للأحكام أ.هـ
نقول: هل من الإنصاف اعتماد نص تاريخي واحد يظهر أن أبا طالب (عليه السلام) يعترف بكونه لم يتبع النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله:(لا تبعته) للحكم عليه بالكفر بالفروع؟!! مع كونه يشير لأبناءه ويأمرهم بملازمته ونصرته والإيمان به والصلاة معه وأنه (صلى الله عليه وآله) يدلهم على الخير؟!! فأين الكفر بالفروع؟!.
أذن لو راجعنا النصوص لاتضح مقصد أبي طالب وقوله بعدم استجابته الظاهرية للنبي (صلى الله عليه وآله) وإظهار إسلامه أمام الناس كونه قدر أن قريشاً سوف تؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو انه أعلن إسلامه. فقد نقلوا جوابه للنبي (صلى الله عليه وآله) بكلمات أخرى تتلائم ويمكن حملها على المعنى والسبب الذي ذكرناه من خشيته للاستجابة الظاهرية للنبي (صلى الله عليه وآله) وإعلانه الشهادتين أمام الملأ فقال في اكثر الروايات:
أ- قال (عليه السلام) لما حضرته الوفاة بعد أن دعا بني عبد المطلب: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره فأطيعوه ترشدوا.
ب- وروي أن أبا طالب (عليه السلام) قال عند موته: يا معشر بني هاشم أطيعوا محمداً وصدقوه تفلحوا وترشدوا... فأجاب أبو طالب النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله له: يا ابن أخي قد علمت انك صادق لكني اكره أن يقال: جزع عند الموت ولولا أن يكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة بعدي لقلتها ولأقررت بها عينك بها عند الفراق لما رأى من شدة وجدك ونصيحتك ولكني سوف أموت على ملة الأشياخ عبد المطلب وهاشم وعبد مناف.
ولذلك نقول بان كلام أبي طالب (عليه السلام) مع النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان بالرموز والتورية طبعاً لو ثبت كل ما قدمناه وما ذكره المخالفون من نصوص لعل أكثرها مكذوبة بغضاً بأي تراب (عليه السلام) فانتسابه وبيانه (عليه السلام) انه يموت على ملة الأشياخ عبد المطلب فهاشم وعبد مناف واضحة في كونه ينتسب الى الإسلام الممتد عن الإبراهيمية التي يمثلها بنو هاشم.
ومن الواضح جداً أن أبا طالب (عليه السلام) لم يكن معانداً للنبي (صلى الله عليه وآله) ولا للإسلام ولا لتعاليمه أبداً وإنما قال إن أظهار إسلامي في مرض موتي لا يجدي نفعاً بل يضر بك يا رسول الله لأنهم سيكتشفون إيماني بك وخداعي لهم وتستوي بالظاهر في مجاراتهم بعدم إعلاني الإسلام ظاهراً فكان كلامي عندهم مسموعاً ويقف المشركون عن أذية أو قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولذلك قال (عليه السلام):
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ***** حتى أوسد في التراب دفيناً
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ***** وأبشر بذاك وقر منه عيوناً
ودعوتني وزعمت أنك ناصح ***** ولقد صدقت وكنت ثم أميناً
وعرضت دينا لا محالة أنه ***** من خير أديان البرية ديناً
لولا الملامة أو حذاري مسبة ***** لوجدتني سمحا بذاك مبيناً
وهذا البيت الأخير واضح جداً في مراده (عليه السلام) وعلة عدم إظهاره للإسلام واشتهاره به وخصوصاً كلمة مبينا والتي تعني واضحا وظاهرا لكل أحد كغيره لأنه كان يريد الحفاظ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحفاظ على سمعته ومكانته في قريش حتى يبقى كلامه حاكماً وله وزنه فيهم لكونه في الظاهر ليس منحازاً للنبي (صلى الله عليه وآله) ودينه لعدم اعتناقه للإسلام ظاهراً ولذلك أشار الى هذه النكتة في البيت الاخير من شعره الذي يدل على إيمانه بشكل واضح وانه تظاهر بعدم اتباعة للنبي (صلى الله عليه وآله) لحاجة ولغرض شريف.
ثالثاً: تواتر روايات أهل البيت(عليهم السلام) في إيمانه (عليه السلام) وكونه ممن كتم إيمانه كأصحاب الكهف فآتاه الله كفلين من ثوابه وكرامته وأهل البيت ادرى بما فيه!
ناهيك عن كونه وآباءه (عليه السلام) أنهم قبل الاسلام أحناف على ملة أبيهم إبراهيم (عليه السلام) وإسماعيل الذين بارك الله فيهم وفضلهم على العالمين حيث قال تعالى (( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:219).
وقال (صلى الله عليه وآله) كما رواه مسلم في صحيحه (7/58) عن واثلة بن الاسقع قال: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم). فاصطفاء الله تعالى لبني هاشم ليس اعتباطياً بل لوجود رجال عظماء صابرين موقنين حتى يصطفيهم الله تعالى ويفضلهم على العالمين ومن المؤكد والمتفق عليه بين القاصي والداني والمحب والمبغض إن أبا طالب كان ممن يفتخر به وبمواقفه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومع دين الإسلام فلابد من شموله بهذه الأفضلية والاصطفاء على العالمين.
رابعاً: كذب وإفتراء نزول آيات فيه تتكلم عن الكفار والمشركين وتشدد على عدم هدايتهم وعدم الاستغفار لهم وعدم توليهم رغم تناقض النقل عندهم أنفسهم في أسباب نزولها بل أكثر تلك الآيات الكريمة يلاحظ أنها مدنية متأخرة على حياة وممات أبي طالب (عليه السلام)!!.
إضافة الى ورود آيات أخرى تنقض قولهم واستدلالهم حيث يقول تعالى: (( لاَّ يَتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاء مِن دُونِ المُؤمِنِينَ )) (آل عمران:28) وقال تعالى (( لَا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءهُم )) (المجادلة:21) ويقول تعالى (( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً )) (الكهف:51) ولا شك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحب أبا طالب كثيراً وصرح بذلك وحزن على وفاته كثيراً وبكى عليه وسماه (عام الحزن) حيث فقد فيه أهم شخصيتين احتضنتاه وعطفتا عليه كثيراً وضحتا من أجله ألا وهما أبو طالب وخديجة (عليهما السلام) فكيف يستقيم هذا وذاك!؟
وقد قال (صلى الله عليه وآله) لعقيل: أني احبك حبين: حباً لقرابتك وحباً لما كنت أعلم من حب عمي إياك.الاستيعاب لابن عبد البر(3/1078).
وفي رواية: يا عقيل! والله أني أحبك لخصلتين: لقرابتك ولحب أبي طالب إياك.
أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال(11/740) وابن عساكر في تاريخ دمشق(41/18) والذهبي في سير أعلام النبلاء(3/100) وغيرهم كثير.
فكيف يحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كافرا مشركا عدوا لله تعالى ويحب من يحبه ذلك الكافر على وجه الخصوص.
خامساً: يمكنك مراجعة الوجوه والأدلة الأخرى على صفحتنا وما اكثرها فراجع أ/أبو طالب (عليه السلام)/....
ودمتم في رعاية الله