
وهل تمّ في المدينة أم في مكّة؟
وهل تمّ قبل إسلام أبو طالب؟
الاخ طاهر المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد ورد في رواية من طرقنا أنّ تشريع التفريق بين الزوجين إذا أسلم أحدهما كان في مكّة.
فقد روى فخار بن معد، وهو من كبار علمائنا في كتابه (الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب): عن أبي علي الموضح، قال: تواترت الأخبار بهذه الرواية وبغيرها عن عليّ بن الحسين(عليه السلام) أنّه سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً؟
فقال (عليه السلام): نعم.
فقيل له: إنّ هاهنا قوم يزعمون أنّه كافر.
فقال (عليه السلام): (واعجباً كلّ العجب!! أيطعنون على أبي طالب أو رسول الله(صلى الله عليه وآله), وقد نهاه الله تعالى أن يقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن، ولا يشكّ أحد أنّ فاطمة بنت أسد(رضي الله عنها) من المؤمنات السابقات, فأنّها لم تزل تحت أبي طالب حتّى مات(رضي الله عنه)؟!)(1).
وهنا عدّة احتمالات في كلام الإمام(عليه السلام):
أولاً: إنّا نستفيد من الرواية أنّ هناك عدّة آيات قد ورد فيها حكم التفريق, وليس آية واحدة، وأنّ بعض هذه الآيات نزلت بمكّة, ولا يمانع ذلك نزول آية أُخرى في المدينة بنفس الحكم وهي آية (( وَلَا تُمسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ )) (الممتحنة:10).
ثانياً: أن يكون رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد ذكر هذا التشريع في مكّة, وإشارة الإمام(عليه السلام) إلى الآيات قد تكون لبيان الدليل القرآني للتشريع، وإن كان رسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعلمه، وطبّقه قبل نزول الآيات؛ ولا مانع من أن تنزل الآيات بعد ذلك في نفس الحكم لفائدة ما.
ثالثاً: قد يكون ما نقله المفسّرون من أنّ آية: (( وَلَا تُمسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ )) نزلت في المدينة غير صحيح، وأنّ هذه الرواية تدلّ على أنّها نزلت في مكّة.
وقد ورد في مرويات أهل السُنّة ما يصلح لتأييد أحد هذه الاحتمالات:
فعن عائشة، قالت: ((كان الإسلام قد فرّق بين زينب وبين أبي العاص, إلاّ أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يقدر أن يفرّق بينهما، وكان مغلوباً بمكّة))(2).
وفي سيرة ابن هشام: ((وكان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يحلّ بمكّة ولا يحرّم، مغلوباً على أمره، وكان الإسلام قد فرّق بين زينب بنت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين أسلمت وبين أبي العاص بن الربيع, إلاّ أنّ رسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان لا يقدر أن يفرّق بينهما))(3).
وعليه لا يمكن الاستدلال بنزول آية: (( وَلَا تُمسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ )) في المدينة على أنّ تشريع التفريق لم يكن في مكّة قبل الهجرة؛ فتأمّل!
ودمتم في رعاية الله
(1) الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: 123 الفصل الأوّل.
(2) نور الأبصار للشبلنجي: 65 فصل في ذكر أعمامه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)...
(3) السيرة النبوّية لابن هشام 2: 478.
والأجدر أن نقول: إنّ بقاء فاطمة وهي المرأة القديرة عند أبي طالب دليل إسلامه, ولو كان كافراً لتركته هي من تلقاء نفسها اعتماداً على مكانتها، وهي التي اتّخذت من بيت الله مكاناً لولادة ابنها الأقدس أمير المؤمنين(عليه السلام).
الأخ أشرف المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النتيجة التي تريدها من كلامك هي واحدة، سواء قلنا: الدليل على إيمان أبي طالب(عليه السلام) هو عدم تفرقة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بينه وبين زوجه فاطمة.. وطبعاً لا يكون ذلك إلاّ بموافقتها.. أو أنّ بقاء السيّدة فاطمة بنت أسد معه كزوجة إلى وفاته دليل على إسلامه..
فقد روي عن عليّ بن الحسين(عليه السلام) كما في شرح النهج للمعتزلي: ((أنّه سئل عن إيمان أبي طالب، فقال: (واعجباً, إنّ الله تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام, ولم تزل تحت أبي طالب حتّى مات) ))(1)، ومنه يفهم وجود الإقرار من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على ذلك، وهو غير عدم قبوله ولكنّه لا يقدر على التغيير.
ودمتم في رعاية الله