
الأخ مصعب المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أدلّة السُنّة النبوية الشريفة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام):
أ - حديث الغدير: وهو قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غدير خمّ: (مَن كنت مولاه فعليّ مولاه, اللّهمّ وال من والاه وعادِ من عاداه)، بعد أن بدأ كلامه الشريف بقوله: (إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسولُ ربّي فأُجيب)؛ ثمّ قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً: (ألست أولى بكم من أنفسكم؟) قالوا: بلى يا رسول الله. فقال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: (فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه).
فأنت تلاحظ أيّها الأخ العزيز كيف يتكلّم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن قرب موته وولايته عليهم, وأنّه أولى بالتصرّف بهم من أنفسهم، ومن ثمّ يقرّر ويثبت لعليّ(عليه السلام) ما كان له بقوله: (فمن كنت مولاه فعليّ مولاه).
وكما تلاحظ أيّها الأخ عدم وجود علاقة أو مناسبة هنا بين المحبّة والتولّي العادي بين المؤمنين, وبين الولاية التي يتكلّم عنها(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويذكرها هنا، وخصوصاً مع قرينة:
1- بداية كلامه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن قرب أجله ومغادرته إلى الله عزّ وجلّ.
2- إيضاحه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولايته على الناس، وعلى المؤمنين خاصّة، وبيانه أنّه أولى بهم في كلّ شيء من أنفسهم، وهذه الولاية أعظم وأشدّ من مجرّد المحبّة, ثمّ إقرار الصحابة بذلك، بعد أن طرح رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك الأمر المهم باستفهام وسؤال، إشارة إلى حاجة ما سيثبته لعليّ(عليه السلام) لذلك الفهم منهم، والإقرار الواضح بتلك الأولوية للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيهم من أنفسهم بأنفسهم.
3- وتوجد قرينة أُخرى في غدير خمّ أيضاً، وهي: إيقاف القافلة في تلك الظهيرة وتنظيف مكان تحت شجرات، وتهيئة الجوّ المناسب للبيعة على هذه الولاية، وهذه المنزلة العظيمة.
4- وهناك قرينة أُخرى مهمّة جدّاً ودالّة على ما قلناه آنفاً حصلت في غدير خمّ أيضاً، كما يروي ذلك مسلم في صحيحه من قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين، أوّلهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) - فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال ـ: (وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي)(1).
فالتمسّك بالثقلين بعد وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الواضح أنّه يعني: التمسّك بالقرآن الكريم، وولاية أهل البيت(عليهم السلام)، وخلافتهم لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ونيابتهم عنه، وأوّلهم: عليّ(عليه السلام) دون منازع، وليس محبّة أهل البيت(عليهم السلام) فقط!!
ب - حديث آخر قوّي جدّاً في الدلالة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)، وخلافته لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من بعده مباشرة، وهو حديث صحيح، صريح، اضطرب أهلُ السُنّة في تفسيره وتأويله؛ فكذّبه قوم لقوّة دلالته(2), وضعّفه قوم بدعوى توهّم رواته رغم وثاقتهم, وصحّحه آخرون دون أن ينتبهوا لما يقولون في شرحه وتأويله.
والحديث هو: قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي)؛ فقد رواه أحمد في (مسنده)(3)، والترمذي في (سننه)، وقال: حديث حسن غريب(4)، والنسائي في (فضائل الصحابة)(5)، و(السنن)(6)، و(خصائصه)(7)، والطيالسي في (مسنده)(8)، وابن أبي شيبة في (مصنّفه)(9)، وابن أبي يعلى في (مسنده)(10)، وابن حبّان في (صحيحه)(11)، وغيرهم.
وصححّه الألباني محدّث السلفية في (سلسلته الصحيحة)؛ قال: ((وقال الترمذي: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث جعفر بن سليمان. قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، وكذلك سائر رجاله، ولذلك قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وأقرّه الذهبي، وللحديث شاهد يرويه أجلح الكندي - ثمّ ذكر الشاهد وحسّنه ــ.
ثمّ قال: على أنّ الحديث قد جاء مغرقاً من طرقاً أُخرى ليس فيها شيعيّ..
- إلى أن قال: وأمّا قوله: (وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي)، فقد جاء من حديث ابن عبّاس، فقال الطيالسي (2752): حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عنه: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ: (أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي). وأخرجه أحمد (1/330 - 331)، ومن طريقه الحاكم (3/132 - 133)، وقال: (صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا))(12).
ونقول: وروي هذا الحديث بلفظ آخر، وواقعة أُخرى، منها: ما روي عن وهب بن حمزة؛ قال: ((صحبت عليّاً إلى مكّة فرأيت منه بعض ما أكره، فقلتُ: لئن رجعت لأشكونّك إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلمّا قدمتُ لقيتُ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقلت: رأيت من عليّ كذا وكذا. فقال: (لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي)، وقال فيه الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه دكين، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله وثّقوا))(13).
ج - حديث: (أنا مدينة العلم وعليّ بابها)(14), أيضاً فيه دلالة واضحة على انحصار أخذ الدين من عليّ(عليه السلام)، وخلافته(عليه السلام) لخاتم النبيّين.
وقد فصّلنا الكلام في هذا الحديث سنداً ودلالة ضمن عنوان: (حديث مدينة العلم)؛ فليراجع!
وغير هذه الأحاديث كثيرة، ذكرناها مفرّقة ضمن عناوين مختلفة.
وإذا كان عندك سؤال واستفسار فأرسل به إلينا، لعلّنا نوفّق جميعاً للهداية والخير.
ودمتم في رعاية الله